جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية الشريعة
تخصص الثقافة الإسلامية
مرحلة الماجستير
1432هـ
.....................................................
ورقة عمل (1)
...............................
مقرر تاريخ التشريع
د.محمد آل الشيخ
..........................
إعداد الطالبتين :
إن الحمد لله ، نحمده ، و نستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وبعد :
المحور الأول :
مفهوم التشريع الإسلامي ونشأته وخصائصه:
تعريف الشريعة:
الشريعة في اللغة :
(مصدرها شرع وشَرَعَ الوارِدُ يَشْرَعُ شَرْعاً وشُروعاً: تناول الماءَ بفِيه.
وشَرَعَتِ الدوابُّ في الماء تَشْرَعُ شَرْعاً وشُرُوعاً أَي دخلت.
ودوابُّ شُروعٌ وشُرَّعٌ: شَرَعَتْ نحو الماء.
والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ: المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها، قال الليث: و بها سمي ما شَرَعَ الله للعبادِ شَريعةً من الصوم والصلاةِ والحج والنكاح وغيره) الشريعة في اللغة لها عدة إطلاقات :
1/ تطلق الشريعة على ابتداء الشيء :"تقول شرع فلان في كذا أي ابتداء فيه " يقول ابن كثير :"الشرعة والشريعة ما يبتدئ فيه إلى الشيء ,ومنه يقال : شرع في كذا , أي :ابتداء فيه"
2/ تطلق على الظهور والبيان والوضوح ، مأخوذ من قولهم :" شرع الاهاب "أذا شق ، والإهاب :الجلد .
3/ تطلق الشريعة على مورد الناس للاستسقاء ، وسمي بذلك لوضوح ذلك المورد وظهوره . والعرب لا تسمي المورد شريعة إلا إذا كان المورد ماء كثيرا دائم الجريان وظاهر العيان.
4/ تطلق العرب الشريعة أيضا على نهج الطريق الواضح .
الشريعة اصطلاحا :
" الشريعة في الاصطلاح لها تعريف عام وأخر خاص "
ففي الاصطلاح العام تعرف الشريعة :" تنتظم كل الأحكام التي سنها الله تعالى في كتابه ،أو جاءتنا عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ،لا فرق بين أن تكون في مجال العقيدة أو العمل أو الأخلاق".
وهذا التعريف هو التعريف المشهور للشريعة قديما وحديثا أما في الاصطلاح الخاص فتعرف الشريعة بأنها" العلم المتعلق بالأحكام العملية ،دون الأحكام ألاعتقاديه والأخلاقية"
فالمناسبة بين المعنى الشريعة في اللغة ومعناه في الاصطلاحي :
فهي في غاية الوضوح فالشريعة مصدرها من الله ، فالله عز وجل هو الذي ابتدأها وسنها ، قال تعالى "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم "
---------------------------------
المحور الثاني :
( تعريف الفقه الإسلامي و علاقته بالتشريع وهل بينهما خلاف )
تعريف الفقه /
أ/ لغة :
(جاء في لسان العرب لابن منظور : الفقه , العلم بالشيء , والفهم له , والفقه : الفطنة .
فالفقه لغة ليس مجرد فهم اللفظ , وتصور معناه , إنه قدر زائد على هذا , إنه الفهم الدقيق العميق الذي لا يقف عند حد ظاهر اللفظ.
ويقول ابن القيم : والفقه أخص من الفهم.
ب/ اصطلاحا:
الفقه اصطلاحا وثيق الصلة بمعناه لغة وقد عرفه الآمدي بأنه : العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ) .
تعريف الشريعة /
(هي ما شرعة الله من الأحكام الثابتة بالأدلة من الكتاب والسنة , وما تفرع عنها من الإجماع والقياس والأدلة الأخرى) .
علاقة الفقه بالتشريع /
(كل منهما يطلق على الأحكام العملية إلا أن بينهما فرقا ينبغي أن لا يهمل , ذلك أن الشريعة هي الدين المنزل من عند الله , والفقه هو فهمنا لتلك الشريعة , فإذا أصبنا الحق في فهمنا كان الفقه موافقا للشرعة من هذه الحيثية .
ويمكن اختصار العلاقة بينهما في ما يلي :
1/ الشريعة هي الغاية , والفقه هو الطريق .
2/ الشريعة كاملة بخلاف الفقه , فالشريعة تتناول القواعد والأصول العامة ومن هذه القواعد والأصول نستمد الأحكام التي لم ينص على حكمها في جميع أمور حياتنا , أما الفقه فهو أراء المجتهدين من فقهاء الأمة .
3/ الشريعة الإسلامية ملزمة للبشرية كافة , فكل إنسان إذا توافرت فيه شروط التكليف ملزم بكل ما جاءت به عقيدة وعبادة وخلقا وسلوكا بخلاف الفقه الناتج من أراء المجتهدين , فرأي أي مجتهد لا يلزم مجتهد آخر .
4/ أحكام الشريعة صواب لا خطأ فيها , وفهم الفقهاء قد يخطئ أحيانا ).
---------------------------------
المحور الثالث :
( أهمية دراسة الفقه والتشريع الإسلامي )
(إن معرفة التشريع الإسلامي والوقوف على أطواره من الأهمية بمكان للمسلم عامة , ولدارس العلوم الشرعية بصفة خاصة حيث أنه العلم الذي يعنى برصد التشريع الإسلامي منذ عهد النبوة إلى عصرنا هذا , وما يترتب على ذلك من الوقوف على عظمة التشريع الإسلامي , والفرق بينه وبين سائر التشريعات الوضعية , والوقوف على جهود سلفنا الصالح من الفقهاء المجتهدين , ومعرفة طرق استنباط الأحكام ومصادرها , وأسباب الخلاف بين الفقهاء في أحكام كثير من الفروع حتى لا يقع المكلف في حيرة من أمره عند تعارض الآراء) . (إن الفقه الإسلامي لم يعد قاصرا على مجموعة الأحكام الفرعية في العبادات والمعاملات , ولكنه – بالمفهوم العام – أصبح منهجا متكاملا لشُعَب الحياة الإنسانية كلها , في العقيدة والعبادة , والاجتماع , والاقتصاد , والتشريع , والسياسة . لأن الطور الذي وصل إليه الفقه الإسلامي في آخر مراحله كان بناء متراصا , ينظم العمران البشري , وأنواع المعاملات والعلاقات الإنسانية للمسلمين تنظيما دقيقا , وهذا يعطي دراسة تاريخ التشريع والفقه الإسلامي أهمية كبيرة لأنها تتناول الحياة الإسلامية في أخص عناصر مقوماتها , حيث كانت شريعة الإسلام هي القاعدة التي أقيم عليها بناء أمته , والمنطلق الذي ارتكزت عليه في حضارتها , ورأى الناس في تاريخ هذه الأمة النموذج الأمثل للحضارة الإنسانية .
ولما كان الفقه الإسلامي هو الذي يمثل الحياة العملية , والسلوك الاجتماعي في حياة المسلمين , فإنه جدير أن يكون خط الدفاع الأول ضد الهجمات المتواصلة من المدنية الغربية , والشيوعية الدولية على السواء) .
--------------------------------
المحور الرابع :
خصائص الشريعة الإسلامية :
للشريعة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها, وتؤكد أنها وحدها الشريعة التي يجب على المجتمع البشري الإيمان والتمسك والعمل بها لأنها تكفل لهذا المجتمع الصلاح والفلاح في الدارين .
ومن أهم الخصائص ما يلي:
1/المصدر الإلهي )ربانية المصدر):
(تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بما لها من صفة (ربانية) وصبغة دينية , تفرغ على تشريعاتها قدسية لا نظير لها , وتغرس في نفوس أتباعها حبها واحترامها , احتراما نابعا من الإيمان بكمالها وسموها وخلودها , فإن شارع هذه القوانين والأحكام ليس بشرا يحكمه القصور والعجز البشري , والتأثر بمؤثرات المكان والزمان , ومؤثرات الوراثة والمزاج والهوى والعواطف , وإنما شارعها هو صاحب الخلق والأمر في هذا الكون , ورب كل من فيه وما فيه , الذي خلق الناس وهو أعلم بما ينفعهم ويرفعهم , وما يصلح لهم ويصلحهم قال تعالى : }ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير{ الملك :14 وبسبب هذه الربانية تجد تشريعات الإسلام وقوانينه في أنفس المسلمين من القبول والاحترام والانقياد والطاعة لها , ما لا يجده أي تشريع أخر يضعه البشر بعضهم لبعض , لأن المسلم حين يطيع هذا التشريع وينفذه يعتقد انه يتعبد لربه , ويتقرب به إليه , وهذا هو موجب الإيمان , ومقتضى الإسلام , }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما { النساء :65 كما يعتقد المسلم في قرارة نفسه أن أحكام هذه الشريعة الربانية هي أعدل الأحكام وأكملها وأوفاها بتحقيق كل خير , ودرء كل شر , وأقدرها عل إقامة الحق وإبطال الباطل إشاعة الصلاح , وقطع دابر الفساد , فلهذا ينفذها عن اقتناع تام بعدالتها وخيريتها , ويوقن المسلم كذلك من أعماق قلبه أن الله مراقبه و مطلع عليه , وهو ينفذ هذه الشريعة) , (فهي وحي من عند الله, نزل به الروح الأمين, على قلب محمد صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى وهو القرآن أو باللفظ دون المعنى وهي السنة, وهي من حيث المصدر تختلف عن كل الشرائع فهذه الشرائع مصدرها الإنسان, والشريعة الإسلامية مصدرها رب الإنسان, ويترتب على هذا الفارق الجوهري بين الشريعة والقوانين الوضعية ما يلي : 1/أن الإيمان بأن مصدر الشريعة هو الله يدفع إلى احترام هذه الشريعة والالتزام بأحكامها بوازع داخلي .
2/إن مبادئ الشريعة مبرأة من الجور والهوى فالله سبحانه لا يظلم أحدا .
2/الكمال والشمول :
مادامت الشريعة ربانية المصدر, فمن ثم هي شريعة كاملة شاملة,لأن الله سبحانه متصف بصفات الكمال منزه عن كل عيب ونقص, فكمال الشريعة يبدو واضحا في إرساء المبادئ التي تحترم الإنسان لذاته, وتطبق على الجميع في عدل وإنصاف, وتعالج كل المشكلات علاجا صحيحا التي لا يرقى لآفاقها تشريع من صنع البشر .
ومعنى صفة الشمول أنها تنظم علاقة العبد بربه, وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان في كل ألوان النشاط الإنساني.
3/الصلاحية الدائمة للتطبيق : (الثبوت والاستقرار)
(فالشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق الدائم فهي ليست محلية أو إقليميه تصلح لبيئة دون أخرى أو عصر دون عصر, بل هي عالمية تصلح للإنسان في كل مكان, .فهي شريعة كاملة كلها عدل ورحمة بالناس وهذا هو سبب صلاحيتها للإنسان في كل زمان ومكان, وهذه الشريعة عاشت حتى الآن نحو أربعة عشر قرنا تطبق في كل الشعوب الإسلامية على تفاوت في هذا التطبيق بين قطر وقطر وعصر وعصر لم تقف عاجزة أمام مشكلة من مشكلات الحياة واستجابت لكل ما يجد من نوازل, والذين يعارضون في العصر الحاضر تطبيق الشريعة ولا يرونها صالحة لمعالجة ما تموج به الحياة من قضايا اجتماعية ومالية وسياسية فهؤلاء إما جاهلون بالشريعة الإسلامية ولا يفقهون أحكامها ومناط صلاحيتها الدائم, وهم إلى هذا الجهل ضحايا الغزو الفكري, وإما أنهم حاقدون عليها ولا يريدون لها أن تكون حاكمة في كل تصرفات الإنسان والذين يعارضون تطبيق الشريعة يسيئون إلى أنفسهم وغيرهم وإن زعموا غير ذلك) .
4\التيسير ورفع الحرج:
(من واقعية هذه الشريعة ابتنائها على مبدأ اليسر ورفع الحرج الذي تميزت به عن شرائع دينية سابقة , وذلك أن التشديد قد يصلح علاجا في ظروف خاصة لجماعة معينة ولمرحلة مؤقتة , أما الشريعة العامة لكل الناس ولكل الأجيال إلى أن تقوم الساعة فلا يليق بها إلا التخفيف والتيسير , ولقد عاقب الله اليهود وحرم عليهم طيبات أحلت لهم بظلم منهم وجزاء ببغيهم , كما أن النصارى شددوا على أنفسهم فابتدعوا نظام الرهبانية التي ما كتبها الله عليهم , وبالغوا في التزهد وتحريم الطيبات فجاءت الشريعة المحمدية قاصدة إلى التيسير في كل ما شرعته , ولهذا جاء في وصف الرسول عند أهل الكتاب في قولة تعالى :} يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم{ الأعراف : 157 ) (ومن أحكام الشريعة الإسلامية ماهو قطعي ويصلح لكل زمان ومكان ولجميع الأقوام ، مثل أحكام العبادات،وأحكام الزواج والطلاق و المواريث وحل البيع وتحريم الربا،وكتابة الدين المؤجل والرهن،ومشروعية المضاربة والشفعة وشرعية الحدود والقصاص. ومن أحكامها ما وضعت له القواعد والمبادئ الكلية التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان ،وقد ترك استنباط الأحكام الجزئية لمجتهدي الأمة ،والخلاف في هذه الأحكام الجزئية لا يضر . وللمجتهد أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ . وهذه القواعد هي قواعد كلية فقهية مشتملة على أسرار الشرع ،بها تضبط الفروع ،وتعرف أحكامها مثل : الضروريات تبيح المحظورات وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، درءا المفاسد مقدم على جلب المصالح ،المشقة تجلب التيسير ،العادة محكمة، الحكم يتبع المصلحة الراجحة) .
----------------------------
وفي الختام فما هذا إلا جهد مقل ولا ندعي فيه الكمال ولكن عذرنا أنا بذلنا فيه قصارى جهدنا فإن أصبنا فذاك مرادنا وإن أخطئنا فلنا شرف المحاولة والتعلم آملين أن ينال القبول ويلقى الاستحسان..وصل اللهم وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
ينظر كتاب مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي د محمد الدسوقي وأمينة الجابر ص38, 39.